منذ قرون طويلة، كانت الهريسة (أو النمورة كما تُعرف في بعض المناطق) جزءًا لا يتجزأ من المائدة الشرقية، تُقدَّم في الأعياد والمناسبات لتعبّر عن الكرم والفرح والبساطة.
هي حلوى متجذّرة في تاريخ المشرق العربي، يجتمع فيها التراث والنكهة، وتحمل في طياتها حكاية طويلة بدأت من القرى القديمة ووصلت اليوم إلى أرقى محلات الحلويات.
⸻
البدايات الأولى: من بلاد الشام إلى القلوب
تعود أصول الهريسة إلى بلاد الشام، وتحديدًا إلى سوريا ولبنان وفلسطين، حيث كانت تُحضّر في البيوت الريفية بمكونات بسيطة متوفرة لدى الجميع:
السميد، اللبن أو الحليب، السمنة، والسكر، مع لمسة من القطر (الشيرة) بعد الخَبز.
كانت الجدّات يخبزنها في أفران الطين، ويقطعنها بشكلٍ مربّع مزين بحبّة لوز في الوسط — رمزًا للكرم والمحبة.
ومع مرور الزمن، صارت الهريسة حلوى أساسية في المناسبات والأعراس، تُقدَّم مع القهوة العربية أو الشاي، وتُعبّر عن الفرح والضيافة الأصيلة.
⸻
مناطق اشتهرت بالهريسة قديمًا
• نابلس في فلسطين: كانت تُعرف بهريستها الغنية بالسمنة البلدية والمُحلاة بعسل طبيعي، وغالبًا تُقدّم بجانب الكنافة النابلسية.
• حمص ودمشق في سوريا: تميّزت الهريسة الشامية بخفتها وطراوتها، مع لمسة خفيفة من ماء الورد أو الزهر، مما جعلها أقرب إلى التحفة الشرقية في المذاق والرائحة.
• لبنان (البقاع وصيدا): اشتهرت الهريسة اللبنانية بتوازنها بين الحلاوة والسمنة، وغالبًا كانت تُقدَّم في المولد النبوي والمناسبات الدينية.
• مصر والسودان: انتقلت الهريسة لاحقًا إليهما واكتسبت طابعًا مختلفًا قليلًا، حيث أضيف إليها أحيانًا جوز الهند أو المكسرات.
⸻
رمز من رموز البساطة والفرح
ما جعل الهريسة تعيش كل هذا الزمن هو بساطتها… فهي ليست حلوى فاخرة بقدر ما هي طعم البيت والذاكرة.
فيها عبق الأفران القديمة، وصوت الأمهات وهنّ يقلن: “ريحة الهريسة طلعت… قربوا.”
هي قطعة حلا تختصر تاريخًا من الدفء، وتربط الأجيال ببعضها عبر نكهةٍ لا تشيخ.
⸻
واليوم في حلويات السلطان
نُعيد في حلويات السلطان تقديم الهريسة بروحها الأصلية، لكن بلمسةٍ عصرية تجمع بين جودة المواد ودقّة الصنعة.
فهي ليست مجرد وصفة، بل تراث نحافظ عليه ليبقى عبق الماضي حاضرًا في كل لقمة.

